فتح مكة يُسمَّى أيضاً الفتح الأعظم غزوة وقعت في العشرين من شهر رمضان في العام الثامن من الهجرة. 10 يناير 630 م. استطاع المسلمين فتحَ مدينة مكة وضمَّها إلى الدولة.
الهدف من فتح مكة
الهدف من فتح مكة هو الهدف العام الذي تشترك فيه جميع غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه . وهو دعوة الناس إلى الإسلام ، ومنع الفتنة . وإزالة الحواجز التي تصدهم عن دين رب العالمين .
قال الله تعالى : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ. وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ) رواه البخاري ومسلم ).
ثم كان هناك هدف خاص لفتح مكة. هو نصرة النبي صلى الله عليه وسلم لحلفائه من خزاعة لما اعتدت عليهم قريش وحلفاؤها.
نقض صلح الحديبية
ففي السنة السادسة من الهجرة النبوية: عقد النبي صلى الله عليه وسلم مع قريش صلحا -صلح الحديبية- لمدة عشر سنين، وخيروا القبائل والناس. من شاء أن يدخل في حلف النبي صلى الله عليه وسلم دخل. ومن شاء أن يدخل في حلف قريش فله ذلك.
إقرأ أيضا:10 مارس ذكرى ميلاد الارهابي أسامة بن لادن زعيم ومؤسس تنظيم القاعدةروى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ. عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ. عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، قالا – وهما يذكران صلح الحديبية – :
( هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ. يَأْمَنُ فِيهن النَّاسُ، وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ … وَكَانَ فِي شَرْطِهِمْ حِينَ كَتَبُوا الْكِتَابَ أَنَّهُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ وَعَهْدِهِ دَخَلَ فِيهِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ دَخَلَ فِيهِ، فَتَوَاثَبَتْ خُزَاعَةُ، فَقَالُوا: نَحْنُ مَعَ عَقْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْدِهِ، وَتَوَاثَبَتْ بَنُو بَكْرٍ، فَقَالُوا: نَحْنُ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ … ) رواه الإمام أحمد في “المسند” (31 / 212 – 218)، وحسنه محققو المسند.
وفي السنة الثامنة من الهجرة النبوية، هاجمت بنو بكر بمعونة قريش قبيلة خزاعة حليفة المسلمين فقتلوا منهم جماعة. وبهذا نقضت قريش وحلفاؤها صلح الحديبية، فسار النبي صلى الله عليه وسلم لنصرة حلفائه من خزاعة.
الاسباب التي أدت لفتح مكة
كان صلح الحديبية السبب المباشر في فتح مكّة؛ فبعد أن تعاهد الرسول مع قريش في ذلك الصلح على حرّية انحياز الأفراد والجماعات إلى الطرف المختار. والدخول في دينه ومعتقده. فمن أراد أن يدخل في حِلف الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- فله ذلك، ومن أراد أن يدخل في حِلف قريشٍ دخل فيه. وأنّ أيّ اعتداءٍ على أيّ قبيلةٍ متحالفةٍ مع أحد الطرفين يُعتبر اعتداءً على الطرف نفسه، فانحازت بنو بكر إلى قريش.
إقرأ أيضا:27 يناير ذكرى الاعلان عن قيام مملكة الحجاز ونجد في الجزيرة العربية.وانحازت بنو خزاعة إلى رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-، ودعمَ هذا الصُّلح الأمن بين القبيلتَين المُتحاربتَين في الجاهلية، إلّا أنّه لم يدم طويلاً؛ ففي العام الثامن للهجرة وفي شهر شعبان بالتحديد دبّرت بنو بكر مع قريش مكيدة، وخطّطوا للتآمر على بني خزاعة في مكّة؛ ظنّاً منهم بأنّ الأخبار لن تصل إلى الرسول في المدينة؛ لبُعده عنهم، وانتهزوا فرصة انشغال المسلمين بأمر الدعوة وإرسال السرايا، فأغار بنو بكر على بني خزاعة ليلاً بعد أن أمدّتهم قريش بالسلاح، وقتلوا منهم ثلاثةً وعشرين شخصاً، أغلبهم من النساء والأطفال والشيوخ، وذلك بالقُرب من بئر الوتر، فهربوا إلى الحرم، ولم تأخذ بنو بكرٍ بحرمة البيت، واستغلّوا فرصتهم، وأخذوا بثأرهم.
أحداث فتح مكة بالتفصيل
أمر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- الناس بالتجهُّز دون أن يخبرهم بالوجهة. أمر الرسول السيدة عائشة أن تُجهّزه، ولمّا رآها أبو بكر سألها عن وجهة النبيّ فصمتت، ثمّ سأل النبي، فقال أبو بكر: (يا رسولَ اللهِ ألم يكنْ بينك وبينهم مدةٌ قال: ألم يبلغْكَ ما صنعوا ببني كعبٍ؟). وأرسل إلى أهل البادية يأمرهم بالتجهُّز، وقد وافاه بعضهم في المدينة، وبعضهم لحقه في الطريق، ومن القبائل التي حضرت إلى المدينة: أسلم، وغفار، وجهينة. وأشجع، أمّا بنو سليم فقد لحقوا النبيّ في الطريق. بعد ذلك أخبرهم النبي بوجهته إلى مكّة وأمرهم بالتجهُّز، فسار إلى مكّة مُخفياً ذلك؛ ليفاجئهم، ووضع الرجال على أنقاب مكة؛ وهي الطرق بين الجبال. آمراً إيّاهم برَدّ من أراد دخولها من الناس المجهولين، وحتى يزيد في إخفاء الأمر عن قريش أمر بإرسال سريّة إلى بطن إضم. حتى يظنّ الناس أنّ تلك المنطقة هي وجهته، وعيّن عليهم أبا قتادة.
إقرأ أيضا:8-10 ذكرى اندلاع حرب الرمال بين المغرب والجزائرتوجّه المسلمون إلى مكّة من الحجون مُكبِّرين حتى ارتجّت مكّة بالتكبير، وكان توجُّههم إلى البيت الحرام للقضاء على الوثنيّة.
الرسول محمد وأهل مكة
اجتمعت قريش عند البيت، ووقف النبيّ يسألهم: (يا معشرَ قريشٍ ما ترَونَ أنِّي فاعلٌ بكم ؟ قالوا : خيرًا، أخٌ كريمٌ، وابنُ أخٍ كريمٍ، فقال : اذهبوا فأنتم الطُّلَقاءُ). جاءت بعدها خطبة النبي في الناس في الغداة. حيث ابتدأها بالحمد والثناء، ثمّ قال: (إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ ولَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ. فلا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ أنْ يَسْفِكَ بهَا دَمًا، ولَا يَعْضُدَ بهَا شَجَرَةً، فإنْ أحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقُولوا له: إنَّ اللَّهَ أذِنَ لِرَسولِهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وإنَّما أذِنَ لي سَاعَةً مِن نَهَارٍ، وقدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا اليومَ كَحُرْمَتِهَا بالأمْسِ، ولْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ). بعد أن طهّر الرسول البيت من الصُّوَر التي كانوا ينسبونها إلى إبراهيم وإسماعيل . أزال الأزلام، ثمّ صعد بلال بن رباح مُعتلِياً الكعبة يُؤذّن بالناس، بدأ الناس يُبايعون رسول الله على الإسلام.
ماترتب على فتح مكة
كان من أثر عفو الرسولِ محمد الشامل عن أهل مكة، والعفو عن بعض من أَهدر دماءَهم، أن دخل أهلُ مكة رجالاً ونساءً وأحرارًا وموالي في الإسلام طواعيةً واختيارًا. وبدخول مكة تحت راية الإسلام دخل الناس في الإسلام أفواجاً، وبايع الرسولُ الناس جميعاً الرجال والنساء، والكبار والصغار. بدأ بمبايعة الرجال، فقد جلس لهم على الصفا، فأخذ عليهم البيعة على “الإسلام والسمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا
بيعة نساء مكة المكرمة
ولما فرغ الرسولُ محمد من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء، وهو على الصفا، وعمر قاعد أسفل منه، يبايعهن بأمره، ويبلغهن عنه، فجاءت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متنكرة خوفاً من الرسولِ أن يعرفها، لِما صنعت بعمه حمزة، فقال الرسولُ محمد: «أبايعكن على ألا تشركن بالله شيئاً»، فبايع عمر النساء على ألا يشركن بالله شيئاً، فقال الرسول محمد: «ولا تسرقن»، فقالت هند: «إن أبا سفيان رجل شحيح. فإن أنا أصبت من ماله هنات؟». فقال أبو سفيان: «وما أصبت فهو لك حلال»، فضحك الرسولُ وعرفها، فقال: «وإنك لهند؟»، قالت: «نعم، فاعف عما سلف يا نبيّ الله، عفا الله عنك»
فقال: «ولا يزنين»، فقالت: «أوتزني الحرة؟»، فقال: «ولا يقتلن أولادهن»، فقالت: «ربيناهم صغاراً، وقتلتموهم كباراً، فأنتم وهم أعلم» -وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قد قتل يوم بدر– فضحك عمر حتى استلقى. فتبسم الرسول فقال: «ولا يأتين ببهتان»، فقالت: «والله إن البهتان لأمر قبيح، وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق»، فقال: «ولا يعصينك في معروف»، فقالت: «والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك». ولما رجعت جعلت تكسر صنمها وتقول: «كنا منك في غرور»