حدث في مثل هذا اليوم 12 مارس 1964 رحيل المفكر عباس محمود العقاد. يعتبر العقاد عملاق الفكر العربي والمصري النشأة والموطن من أهم المفكرين في القرن العشرين. كانت لديه معرفة موسوعية في كل مجالات الفكر ,الفلسفة, الأدب والتاريخ. وهو عضو سابق في مجلس النواب المصري، وعضو في مجمع اللغة العربية. ذاعَ صِيتُه فمَلَأَ الدُّنْيا بأَدبِه. ومثَّلَ حَالةً فَرِيدةً في الأدَبِ العَرَبيِّ الحَدِيث. ووصَلَ فِيهِ إِلى مَرْتَبةٍ فَرِيدَة. وسنحاول فيما يلي تتبع مراحل حياته وفكره والخوض في ثنايا عقله الفلسفي.
نشأة المفكر عباس محمود العقاد
وُلِدَ «عبَّاس محمود العقَّاد» بمُحافَظةِ أسوان عامَ ١٨٨٩م، وكانَ والِدُه مُوظَّفًا بَسِيطًا بإِدارَةِ السِّجِلَّات. اكتَفَى العَقَّادُ بحُصُولِه عَلى الشَّهادَةِ الابتِدائيَّة. اقتصرت دراسته على المرحلة الابتدائية فقط؛ لعدم توافر المدارس الحديثة في محافظة أسوان. أتقن اللغة الإنجليزية من مخالطته للأجانب من السائحين المتوافدين لمحافظتي الأقصر وأسوان، مما مكنه من القراءة والاطلاع على الثقافات البعيدة.
وكما كان إصرار العقاد مصدر نبوغه، فإن هذا الإصرار كان سببًا لشقائه أيضًا. غيْرَ أنَّهُ عَكَفَ عَلى القِراءَةِ وثقَّفَ نفْسَه بنفْسِه؛ حيثُ حَوَتْ مَكْتبتُه أَكثرَ مِن ثَلاثِينَ ألْفَ كِتاب. عمِلَ العقَّادُ بالعَديدِ مِنَ الوَظائفِ الحُكومِيَّة، ولكِنَّهُ كانَ يَبغُضُ العمَلَ الحُكوميَّ ويَراهُ سِجْنًا لأَدبِه؛ لِذا لمْ يَستمِرَّ طَوِيلًا فِي أيِّ وَظِيفةٍ الْتحَقَ بِها. اتَّجَهَ للعَملِ الصَّحَفي؛ فعَمِلَ بجَرِيدةِ «الدُّسْتُور»، كَما أَصْدَرَ جَرِيدةَ «الضِّياء»، وكتَبَ في أَشْهَرِ الصُّحفِ والمَجلَّاتِ آنَذَاك. وَهَبَ العقَّادُ حَياتَه للأَدَب؛ فلَمْ يَتزوَّج، ولكِنَّهُ عاشَ قِصَصَ حُبٍّ خلَّدَ اثنتَيْنِ مِنْها في رِوايَتِه «سارة».
أسلوب عباس محمود العقاد التحليلي
كان العقاد مشغول بالتفسير النفسي لأي أديب أو زعيم أو مفكر. وبعد ذلك يتجه إلى أعماله الأدبية أو الفلسفية. و مما يميز أسلوب العقاد أنه يميل كثيراً إلى التشريح الدقيق من أجل توضيح وكشف ما يتناوله بحيث لم يبق منه غامض أو مبهم . وقد يغوص ويغوص حتى يصل إلى القاع فلا يخرج بشئ كثير ، وبالتالى نجد أنه كثيراً ما يوضح الواضحات ويفسرها ويزيد فى شرحها وإيراد الأدلة والشواهد عليها .
كما يتميز اسلوب العقاد بالاعتماد على الفكرة أكثر من جمال الشكل . الاعتماد على عنصر التحليل و الموضوعية في الطرح و العمق في الفكرة. الترسل و الاعتماد على الجمل المطولة. اللغة الدقيقة المختارة و القوية الدلالة. إصدار الأحكام المبنية على الحجة و الدليل. إتباع المنهج العقلي في المناقشة. ﺃﻛﺜﺮ ﻋﻘﻼﻧﻴﺔ ﻭﺣﻜﻤﺔ، ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﻌﻤﻘﺔ ﺑﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ،ﻭﺍﳉﻐﺮﺍﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺸﺮﻗﻲ . ﻭﺇﻥ ﺍﺧﺘﻠﻔﺖ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻌﺮﺽ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﻭﻝ، ﺃﻭ ﲤﻴﺰﺕ ﺟﻮﺍﻧﺐ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻭﺩﺭﺟﺎﺕ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ.
مدرسة الديوان التي أنشأها العقاد مع المازني وعبد الرحمن شكري
تعد مدرسة الديوان من أهم المدارس النقدية في العصر الحديث، والانطلاقة الحقيقية لحركة التجديد في الشعر العربي؛ لما صاحبها من عنوان نقدي، ورؤية واضحة لمفهوم جديد في الأدب. وهي جزء من تيار عام نشأ في بدايات عصر النهضة العربية، وهو التيار الرومانسي ورائده مطران خليل مطران. ومؤسسو هذه المدرسة هم المفكر عباس محمود العقاد و ابراهيم عبد القادر المازني و عبد الرحمن شكري ، وأحيانا يطلق على هؤلاء الثلاثة (الجيل الجديد) وهم تأثروا بمطران ثم بقراءتهم في الأدب الانجليزي والفرنسي.
إقرأ أيضا:5-11 ذكرى وفاة محمد حسن حلمي ” زامورا ” رئيس نادي الزمالك المصريوقد كانت بداية انطلاقة هذه المدرسة مع إصدار ديوان عبد الرحمن شكري (ضوء الفجر) عام 1909م، الذي اتضحت ملامح التجديد فيه ” فلفت شكري الأنظار إليه، ونال كثيراً من التقدير، حتى بايعه شاعر النيل حافظ إبراهيم على الريادة بقوله:لقد بايعت قبل الناس شكرى وزكيت الشهادة باعترافي. ثم تبعه المازني بإصدار ديوانه الأول سنة 1913م، وأخيراً ظهر الديوان الأول للعقاد (يقظة الصباح) سنة 1916م.
وعرفت بمدرسة الديوان نسبة إلى أهم إسهام نقدي قدمته وهو (كتاب الديوان) الذي ألفه العقاد والمازني عام 1921م، فكان شعلة الانطلاقة النقدية، وخطوة كبيرة في مؤلفاتهم، مع الإشارة إلى أن العقاد بدأ إسهاماته النقدية التجديدية عام 1907 من خلال مقالاته في جريدة الدستور.
الديوانيون
والديوانيون هم أول من أحدثوا ثقباً في جدار الكلاسيكية العربية، وتطلعوا إلى بناء مدرسة حديثة في معنى الأدب وغاياته، وقد كان توجههم رومانتيكياً، ومدرستهم ليست مقلدة للأدب الانجليزي بل مستفيدة منه مهتدية بضيائه. أما أهداف المدرسة كما يوضحها العقاد فقد قاومت فكرتين كبيرتين هما: فكرة القومية في الأدب العربي وطريقة فهمها على نحو شكلي ضيق، وفكرة الاشتراكية التي يصفها العقاد بالعقم، لأنها تحرم على الأدب أن يكتب حرفاً لا ينتمي إلى لقمة الخبز. أو إلى تسجيل حرب الطبقات ونظم الحياة. وقد كانت الثورة النقدية التي قام بها هؤلاء الثلاثة تتصف بصفتين:
الأولى: إنها ثورة جاءت في وقتها. فقد كانت المدرسة الكلاسيكية المحدثة ترسخ مفهوماً في الشعر. لو ترك بغير معارضة لضرب بجذوره بعيداً. بحيث يغدو الوصول إلى الحداثة مطلباً في غاية الصعوبة.
والثانية: كانت ثورة هؤلاء الثلاثة واضحة، فقد كان التنظير الهاديء عن الشعر. الذي قدمه مطران لا يقاس بشيء إلى جانب التحرر العنيف من الآراء المتحجرة. التي كانت تسيطر على الشعر كما عبرت عنه كتاباتهم النقدية.
الفكر السياسي لعباس محمود العقاد
كان العقاد من الشخصيات السياسية اللامعة عندما كان عضواً في البرلمان لصيقاً بزعيم الأمة سعد زغول باشاً. الذي اقترب منه وصوَّره في كتبه أبلغ تصوير. وسجن تسعة أشهر؛ بسبب حماسه الوطني ودفاعه عن الدستور ضد طغيان الملك فؤاد. ولكن التصاقه بحزب “الوفد” في عهد سعد زغلول لم يمنعه من التصدي بموضوعية كاملة لإبرام حزب الوفد “المعاهدة” مع بريطانيا العظمى عام 1936م، ووصفها بأقذع الألفاظ، وقدَّم لها تحليلاً علمياً وطنياً رائعاً، وكشف نفاق الساسة ورجال الصحافة الذين لبَّسوا على الشعب بأنها معاهدة “الصداقة والاستقلال”، وأشد ما نعاه عليها هو أنها الحقت مصر بخدمة المجهود الحربي البريطاني، ومنحت بريطانيا حق الاحتلال العسكري تحت ستار الدفاع عن مصر وعن قناة السويس
ولذلك كانت فرحة العقاد كبيرة عندما أعلنت حكومة “الوفد” أيضاً في أكتوبر 1950م بعد عدم اكتراث مجلس الأمن بالمسالة المصرية التي ناقشها في أولى جلساته في باريس عام 1946م، إلغاء المعاهدة. وصمود حكومة “الوفد” ضد الإنجليز وبطشهم في منطقة القناة التي ألهبت الوطنية المصرية.
كان العقاد أيضاً كاتباً في السياسة. ولم يترك مناسبة إلا كان له رأي وموقف جدير بأن يدرس ويسجل، فقد أنصف العقادُ، عرابي وثورتَه، في وقت كان العرابيون كما قال البارودي في قصيدته الشهيرة “في سرنديب”: فل رزية تقاسمها في الأهل باد وحاضر، كما شاهد العقاد بنفسه أحمد عرابي باشا بعد عودته من المنفى الذي قضى فيه ربع قرن من حياته. وما أجدر شبابنا أن يقرؤوا الثورة العرابية ومذكرات زعيمها على ضوء موقف العقاد.
عبقريته في التحيلي السياسي
وعندما قامت حركة الجيش بقيادة “جمال عبدالناصر” عام 1952م أيَّدها العقاد، وامتدح شبابها، ولكنه لم يخشَ في الحق لومة لائم. ولم يمنعه البطش في ذلك الوقت من أن يعترض بصراحة على كل الإجراءات الاستثنائية في مجال الملكية الخاصة والحريات في ذلك الزمان، تلك الإجراءات التي كانت سبباً رئيساً في سقوط النظام بأكمله عام 1967م.
وفي مجال الفكر السياسي، كان العقاد ضد كل الحركات السياسية التي تصادر الحرية؛ فاتخذ موقفاً عدائياً من النازية في ألمانيا. ولم يظهر تعاطفاً كان مألوفاً في الحركة الوطنية المصرية مع الألمان نكاية في الإنجليز المحتلين.
أما قيمة العقل فهو ظاهر في كتابات العقاد جميعاً. خاصة سير العباقرة الذين أعجب بهم وأنزلهم المنزلة التي يستحقونها بين البشر، وقيمة العقل ثروة أهملها العقل العربي والمصري. وكان السبب في ذلك هو حكَّامها الذين جرَّفوا عقول الناس، وحرَّفوا أفهامهم؛ فانساقت الأمة كالقطيع وراء الخرافات والتوافه من الأمور. وخلطت الحق بالباطل في الدين والدنيا.
المفكر عباس محمود العقاد والكاتبة مي زيادة
أحب عباس العقاد مي زيادة وكان شديد الغيرة عليها، ولكنها كانت مترددة في علاقتها به، فقلبها نبض بحبه ولكنها كانت تخاف من جرئته، وذلك ما أكده الروائي واسيني الأعرج في إحدى دورات معرض الكتاب، بأنه كانت هناك علاقة حب كبيرة بين مي زيادة والأديب الراحل عباس محمود العقاد. مشيرا إلى أن العقاد عشق مي مثلما عشقته، ولكن حبهما لم يكلل بالنجاح، لتحفظ مي والتزامها بألا تغضب الله والدخول في علاقة عشق كامل ، كما كان يطلب منها دائما العقاد، وكانت تجيب عليه دائما بكلمة لا يمكن .
أفصح الروائي واسيني الأعرج، عن حقيقة العلاقة بين العقاد ومي. قائلًا إن العقاد هو من رفض مي زيادة. ووجد في نفس الفترة “سارة” وهي فتاة لبنانية متحررة، تعرف عليها ولم ترفض تنفيذ رغباته. فارتبط بها رغم حبه لمي زيادة ولكن رغباته كانت أهم. وكتب عنها كتاب سارة الذي يتوقع البعض أنه يقصد بها مي زيادة ولكن الحقيقة أنها لا علاقة لها بمي من قريب أو بعيد.
بعد تعرُض مي زيادة للعديد من الأزمات والمعاناة استقر بها الحال بإحدى المستشفيات وكانت ترفض مقابلة أي شخص، ولكن الوحيد الذي وافقت على مقابلته كان عباس العقاد، الذي سكن حبه قلبها، رغم البعاد، وعاتبته على عدم الاطمئنان عليها، وقال الأعرج ورغم ذلك بعد موتها ادعى العقاد أنها جنت وأن لقائه الأخير بها بالمستشفى قالت له ” اخفض صوتك فالمبنى المقابل به شياطين
العقاد والمرأة
على الرغم من ما قيل وتردد عن حب العقاد للأديبة مى زيادة، وأليس داغر، ومديحة يسرى والذى اكتوى بحبها فإنه ظل ينظر للمرأة بدونية ويرى أن المرأة ناقصة كما ذكر وعرض أفكاره فى كتاب “هذه الشجرة”، والذى استشهد فيه بآيات من الكتاب المقدس، والقرآن الكريم، وفلسفات شوبنهور المعروف عنه أنه ألد أعداء المرأة، وأيضا فريدريش نيتشة ومعروف عنه التطرف الفكرى والشيفونية التى استمد منها هتلر نزعته النازية.
فى بداية الكتاب يرى أن المرأة أغوت الرجل منذ البداية ودفعته لأن يأكل من الشجرة المحرمة ويسقط فى الخطيئة، ويرى المرأة محكومة لأنها ضعيفة، والدلال خير دليل على أن قيمة المرأة موقوفه على غيرها.
حتى الغواية لم يرجعها لها بل لطبيعة هواها فى نفس الرجل، حيث هواها فى نفسه شبيه بكل هوى ينمو بحكم العادة والفطرة كمقاومة التدخين مثلا!! حتى معنى السكن جعل المرأه لا دخل ولا عمل لها فيه بل أرجع أصل المعنى من مغالبة الرجل لنفسه، المرأه كما يراها العقاد لا ينبغى لها أن تريد!!.. بالإضافه لجوانب تناولها تناول أقرب للبيولوجى متناسيا أن الإنسان بجنسيه روح وجسد. ويتابع العقاد فى فصول كتابه “هذه الشجرة” وصفه وتحليله لضعف المرأة وعدم اكتمالها.
لم يكن امتناع عباس محمود العقاد عن الزواج نابعا من فراغ، فقد قيل عنه بأنه “عدو المرأة” بسبب آرائه ومقالاته التى وُصِفت بأنها عنصرية ومتطرفة، وبنظرة سريعة على كتاب آخر هو “المرأة فى القرآن” يمكننا استنتاج حقيقة عدوانه الداخلى وإنكاره لدور المرأة محاولا التأكيد على وضعها الضعيف فى مقابل قوة الرجل.