حدث في مثل هذا اليوم 3 مارس 1924م سقوط الخلافة العثمانية على يد كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة. وقائد الحركة التركية الوطنية التي حدثت في أعقاب الحرب العالمية الأولى. كانت بداية هذا السقوط بضعف تدريجي نال من مفاصل الدولة من الداخل منذ القرن السابع عشر، بعد انغماس السلاطين العثمانيين في الملذات والترف.
ما قبل سقوط الخلافة العثمانية
كانت بداية هذا السقوط بضعف تدريجي نال من مفاصل الدولة من الداخل منذ القرن السابع عشر. بعد انغماس السلاطين العثمانيين في الملذات والترف. على عكس ما اعتاد عليه سلاطين الدولة العثمانية في بداية عصرها أمثال محمد الفاتح من حياة زهد وورع.
وتراجعت مع نزعات الترف الفتوحاتُ التي دأب عليها العثمانيون وأوصلت سيطرتهم إلى وسط أوروبا.
وحين توقف توسع الدولة العثمانية طمع أعداؤها من حولها في التوسع والاستيلاء على أجزاء منها. فانتزع الروس والصرب بعض المناطق والمواقع المهمة.
وارتفعت وتيرة المعارك على النفوذ في القرن الثامن عشر بين الدولة العثمانية من جانب والروس والنمسا في الجانب الآخر. ولم يتمكن الروس من الانتصار على المسلمين إلا بعد إشعال نار فتنة داخلية بفتيل المسيحيين في الداخل.
في هذه الأثناء التي انشغلت فيها الدولة العثمانية بالحروب. كانت أوروبا تتقدم علميًا وتكنولوجيًا وعسكريًا بشكل لافت. وهو ما دفع العثمانيين للاستعانة بالخبرات الغربية الأوروبية التي دخلت بلاد المسلمين. يرافقها الفكر الغربي العلماني الذي بدأ أول دخول له في العالم الإسلامي.
إقرأ أيضا:زواج الأميرة فوزية أخت الملك فاروق من شاه ايران وتصبح ملكة ايران وفينوس الآسيويةلكن انهيار الدولة العثمانية العسكري تجلى بشكل واضح بعد الحرب العالمية الأولى التي شاركت فيها حليفةً لألمانيا والنمسا المنهزمتين، وانتهت الحرب بنتائج وخيمة على الدولة العثمانية، حيث دخلت جيوش الحلفاء الآستانة وسيطروا عليها وعلى المضائق (البوسفور والدردنيل)، واحتلت اليونان الأقسام الغربية من الدولة، في حين سُلِخت الولايات العربية وقُسِّمت إلا دويلات صغيرة سيطرت عليها دول الحلفاء.
عهد السلطان عبد الحميد الثاني
كان عاملا آخر يساهم فى مزيد من التدهور، فالخليفة الذى أصبح معزولا عن شعبه وعن طلابه وعن جيشه وعن باقى شعوب إمبراطوريته والذى لم يعد يحتمى إلا فى جهاز مخابراتى يقمع المعارضين. أخذ فى الاستدانة من الدول الأوروبية، فتزايدت قوة الضغط الأوروبية حتى أن الدول الأوروبية الدائنة للخلافة أصبح لها لجنة رسمية فى تركيا تقوم بالإشراف على الإنفاق العام تحت دعوى عدم تبديد الأموال التى تم استدانتها.
فى هذه الأثناء كانت الحركات القومية تنتشر فى ربوع الخلافة، الأرمن والعرب والأتراك تحديدا كانوا يشكلون جذور حركات قومية، ترفض اعتبار الدين الأساس الوحيد لحقوق المواطنة وتبحث عن تشكيل حكومات مركزية دستورية تحسن من تمثيل المواطنين.
أمام هذه الضغوط المتزايدة وجدت الحركة الصهيونية فرصة كبيرة للضغط على عبدالحميد للتنازل عن فلسطين، وقام زعيم الحركة تيودور هيرتزل بعد وساطات عدة بمقابلة السلطان عبدالحميد ثلاث مرات فى عام ١٩٠١ حاملا إليه عرض مقايضة فلسطين بالتوسط عند الحكومات الغربية لتخفيف الديون على الدولة العثمانية وحينما رفض عبدالحميد. قدم هيرتزل عرضا آخر فى الاجتماع الثانى بالضغط على الدول الأوروبية لتخفيف الضغط على الدولة العثمانية بخصوص مطالب الأرمن فى وطن مستقل، لكن عاد عبدالحميد ورفض، فانتهى الأمر باجتماع ثالث لم يحقق المراد أصلا، فعاد هيرتزل دون تحقيق أى مكسب، لكن ظلت الديون كما هى، واستمر التدهور العثمانى.
كانت الحركات التركية القومية يتزايد نفوذها مع مرور الوقت. فحركة الاتحاد والترقى والتى كانت التطور الأخير لحركات قومية أخرى مثل حركة العثمانيين الجدد وحركة الاتحاد العثمانى وغيرها، تغلغلت فى الجيش وبين الطلاب وبين نخبة المثقفين والفنانين والشعراء الأتراك الذين عاداهم جميعا عبدالحميد واعتقد أن تقاريره المخابراتية المشوهة لهم كفيلة بتأمين ظهره، تمكنت من الضغط على السلطان حتى اضطر فى عام ١٩٠٨ إلى إعادة العمل بدستور وبرلمان ١٨٧٦ والذين كان قد أوقف العمل بهما فى عام ١٨٧٧. ثلاثون عاما أهدرها عبدالحميد كان من الممكن أن يستغلها فى عملية تحديث سياسى كما نصحه الكثيرون وفى مقدمتهم جمال الدين الأفغانى.
الجيش التركي ينقلب على عبد الحميد الثاني
استمرت الاضطرابات والمصادمات بين الخليفة وبين جمعية الاتحاد والترقى. وانتهى الأمر بقيام الجيش التركى بالانقلاب على عبدالحميد الثانى. وهو الانقلاب الذى أيده البرلمان وكذلك دعمه المفتى العام. الذى جاءت فتواه لتتهم عبدالحميد بالتبذير والإسراف وظلم الرعية والحنث بالقسم، بل وزادت الفتوى التى وقع عليها المفتى العام شيخ الإسلام محمد ضياء الدين باتهام الخليفة بأنه قصد إحداث فتنة بين المسلمين وبالتالى وجب خلعه .
اضطر عبدالحميد أن يتنازل عن العرش لأخيه محمد رشاد. وتم نفيه إلى صالونيك (فى اليونان حاليا)، لكنه عاد لاحقا إلى إسطنبول التى توفى فيها عام ١٩١٨ معانيا من مرض السل.
لم يكن السلطان رشاد سوى واجهة للجيش التركى. الذى كان يتحكم بالفعل فى مقاليد الأمور. ولم يكن يسعى سوى نحو التتريك (جعل اللغة التركية هى اللغة الوحيدة الرسمية للدولة العثمانية). فزادت الاضطرابات والانقسامات بين العرب والترك. حتى قرر العثمانيون دخول الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا والمجر وهو الرهان الخاطئ الذى انتهى بهزيمة قاسية للعثمانيين عجلت بإنهاء الدولة العثمانية وإنشاء الدولة التركية المركزية بواسطة مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة.
فى هذه الأثناء قام البريطانيون والفرنسيون باتفاقية سايكس بيكو الشهيرة .لتقسيم مناطق الخلافة فيما بينهم. كما عقد الشريف حسين صفقة فاشلة مع البريطانيين. قام فيها بالثورة على العثمانيين فى الحجاز مقابل وعدا لم ينفذ من البريطانيين بتمكينه من خلافة عربية. كما قامت بريطانيا بتقديم وعدها الشهير لليهود بإنشاء دولة يهودية فى فلسطين، وهكذا تداعت الأحداث سريعا حتى انتهت الخلافة العثمانية والإسلامية عموما حتى وقتنا هذا.
كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة في الحرب العالمية الأولى
في 28 يوليو 1914 بدأت الحرب العالمية الأولى ودخلت الدولة العثمانية في حرب منذ 29 أكتوبر 1914. وفي 20 يناير 1915 عُين مصطفى كمال قائدًا للفرقة 19. التي كانت ستؤسس في منطقة تك فور داغ بقيادة الفيلق الثالث. ظلت الفرقة 19 فرقة احتياطية في منطقة “اجا آبط” بقرار من قيادتها وذلك في 23 مارس 1915.
في 1 ابريل 1916 تمت ترقيته إلى رتبة فريق، ونال لقب باشا. أصدر مصطفى كمال أمرًا بالتراجع التكتيكي -وفقًا لخطه تكتيكية- وبهجوم مفاجئ حرر منطقة موش من احتلال القوات الروسية. وحقق السيادة الاستراتيجية للقوات العسكرية العثمانية. نال مصطفى كمال ميدالية السيف الذهبية لاحرازه هذا النصر على جبهة كافكاس. وفي شهر أغسطس حرر منطقتي موش وبليتس من الاحتلال بشكل نهائي.
في 19 ديسمبر شنت قوات الاحتلال البريطانية بقيادة إدموند ألنبي هجومًا. مما أثقل العبئ على الجيش الثالث أحد جيوش جماعة يلدرم. وفي الحادي من أكتوبر استولى الإنجليز على الشام ثم حلب وفي 25 من الشهر نفسه. ردع مصطفى كمال الجيوش البريطانية في حلب ونجح في إنشاء خط دفاع.
في 10 أكتوبر 1918 انطلق من أضنة إلى إسطنبول تاركًا قيادة وحدات يلدرم العسكرية إلى نهاد باشا قائد الجيش الثاني. في 13 نوفمبر وصل إلى محطة حيدر باشا القائمة في إسطنبول. وأثناء عبوره من حيدر باشا إلى إسطنبول رأى الأساطيل الحربية للعدو في المضيق، فقال عبارته الشهيرة “سيعودون بخفي حنين” (سيعودون كما جاؤا). أصدر فتحى بك برفقة كل من أحمد عزت باشا وأحمد توفيق باشا جريدة المنبر ذات الرأي المعارض وذلك لمباشرة الأوضاع السياسية.
الحركة القومية التركية بقيادة كمال أتاتورك
في الثاني من فبراير عام 1919 أُرسل جمال باشا المرسينلى إلى الأناضول لتنظيم الجيوش العثمانية في الجبهة الشرقية، وذلك وفقًا لبنود الهدنة. أمر الأتراك الموجودون على الجبهة الشرقية بالتسلح وقتل المسيحيين؛ وبناءً على ذلك شرعوا في اتخاذ الإجراءات اللازمة. كلف السلطان وحيد الدين محمد السادس مصطفى كمال باشا بقمع الاحتجاجات. محددة الأهداف ضد قوات الاحتلال وحماية المسيحيين قاطني الولايات الست وذلك بإعطائه كافة الصلاحيات . لقد بذلت الغالي والنفيس لخدمة الوطن. والآن يُسجل هذا على صفحات التاريخ. إمح ذلك من ذاكرتك فالأهم هو المهمة التي ستنفذها. بإمكانك تحرير البلاد برمتها.”.
وفي التاسع عشر من مايو 1919 تحرك مصطفى كمال إلى سامسونا مع كل من رفعت بك ومحمد عارف و هسرف بك. وعقب صلح مندروس بدأت انتفاضات منظمة في الأناضول على هيئة مليشيات وطنية. وفي الثاني والعشرين من يونيو من العام نفسه أعلن مصطفى كمال مع روؤف بك وكاظم كارابكير باشا و رفعت بك وعلى فؤاد باشا “أن الشعب سينال استقلاله بالثبات والعزم”
تشكلت هيئة نيابية تولى مصطفى كمال رئاستها.[53] في السابع والعشرين من الشهر نفسه انتشر هذا الخبر في أرجاء الأناضول ولقي حفاوة كبيرة. وفي الثالث والعشرين من أبريل عام 1920 اُفتُتح المجلس القومى التركى في أنقرة وذلك بسبب قمع نواب المجلس العثماني من قبل قوات الاحتلال في مارس من العام نفسه، واعتقال سفراء النوايا الحسنة. وقع الاختيار على مصطفى كمال باشا لرئاسة الحكومة والمجلس باعتباره سفير ارضروم.
ألغى مجلس الشعب التركي الخلافة العثمانية في الحادي من نوفمبر عام 1922 ، وبذلك قضت على الكيان القانوني لحكومة إسطنبول حيث تم إقصاء فهد الدين عن العرش
كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة
انتخب مصطفى كمال – نائب مدينتي بالا وأنقرة – كأول رئيس ل الجمهورية التركية بتصويت 158 نائبًا ممن شاركوا في الانتخابات الرئاسية. التي تمت عقب الإعلان الجمهوري. أجرى أتاتورك عدة تغييرات جذرية من شأنها إيصال تركيا إلى مستوى الحضارة المعاصرة. وطبقًا لدستور 1924، تبوأ مصطفى كمال منصب رئاسة الجمهورية ثلاث فترات أخرى (1927، 1931، 1935) وذلك بعد أن اُختير من قبل المجلس الشعب التركي كرئيس في التاسع والعشرين من أكتوبر عام 1923.
قام مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة بإصلاحات عديدة شملت كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وحتى على المستوى الديني وعلاقة المؤسسة الدينية بالدولة والنظام السياسي لتركيا الحديثة. أهم ما قام به أتاتورك هو إلغاء نظام الخلافة،
قام مصطفى كمال بإعلان تعديلات جذرية. تميزت بالانتقال التام والنهائي من القوانين والسمات التي ميزت العهد العثماني إلى منظومة قانونية واجتماعية جديدة. اتسمت بفصل الشأن الديني عن الشأن العام. قام أتاتورك بحصر القوانين الدينية فقط بالمجالات ذات الصلة بالدين، وفصل نهائيا فروع القانون الأخرى عنه. في 1 مارس 1926 دخل القانون الجنائي التركي الجديد حيز التنفيذ. وقد أخذ جزء كبير منه من القانون الجنائي الإيطالي. وفي 4 أكتوبر 1926 أغلقت المحاكم الشرعية. بالنسبة للمرأة، كانت لدى أتاتورك قناعة كاملة بأنه على المرأة أن تتحرر بشكل تام وأن تندمج في المجتمع وأن تغادر محيطها الضيق وهو البيت والعائلة. وقد بدأ أتاتورك في تطبيق أفكاره عبر توحيد التعليم وتعميمه على الجنسين. وفي 4 أكتوبر 1926 دخلت المجلة المدنية التركية الحديثة حيز التنفيذ. وقد أخذ جزء كبير منها من القانون المدني السويسري.