حدث في مثل هذا اليوم اعلان نتيجة استفتاء جنوب السودان. واستفتاء جنوب السودان هو استفتاء جرى في الفترة من 9 يناير وحتى 15 يناير 2011 حول ما إذا كان سكان جنوب السودان يرغبون بالبقاء بدولة واحدة مع السودان أو الانفصال بدولة مستقلة وذلك تنفيذًا لبنود اتفاقية السلام الشامل والتي وقعت في نيفاشا بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان في 9 يناير 2005. أعلنت نتيجة الاستفتاء في 7 فبراير 2011 وكانت نتيجتها موافقة أغلبية المصوتين على الانفصال عن السودان الموحد. بنسبة 98.83٪ من الأصوات
التاريخ السياسي لجنوب السودان
تاريخ جنوب السودان لا يعرف عنه إلاَّ القليل قبل عام 1820.. وبدأ كثيراً من الأوروبيين رحلاتهم لاكتشاف منابع النيل.. خلال فترة الحكم التركي قبل عام 1885عيّن الخديوي بعض الأوروبيين كمديرين للاستوائية لخدمة أغراضه ومد نفوذه. وقد اشتهرت فترة الحكم التركي وفترة حكم المهدية 1885 – 1899 بغارات جلب الرقيق التي قام بها بعض الأوروبيين والمصريين وأهل شمال السودان. مما نجم عنه شعور زائد بالكراهية وولّد خوفاً شديداً تجاه الشماليين.. بالطبع فقد حُرِّمت تجارة الرقيق بعد الاحتلال الإنجليزي عام 1899. من ناحية الدين والمعتقدات فأغلبية سكان شمال السودان يعتنقون الدين الإسلامي. أما معظم سكان الجنوب فلا دينيين وقد بدأت الإرساليات المسيحية عملها في الجنوب منذ عام 1848وتم زيادة نشاطها وتنظيمه بعد الفتح في عام 1899. وقد سمح لكل من الإرسالية الكاثوليكية والإرسالية البروتستانية بالعمل التبشيري في جنوب السودان مع تكليفها بمسؤولية نشر التعليم بين أبناء وبنات الجنوب بل وقدّمت لها إعانات مالية من الحكومة بدءاً من عام 1927.
إقرأ أيضا:3 مارس ذكرى سقوط الخلافة العثمانية على يد كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثةيعد التاريخ السياسي لجنوب السودان من الملفات المهمة لفهم طبيعة السودان الخاصة، حيث تضافرت مجموعة من العوامل علي تقسيم السودان معنويًا قبل أن تصبح حدوديًا في القرن التاسع عشر عندما استعمرت بريطانيا السودان مع مصر. قامت السياسات الاستعمارية علي اظهار الاختلافات الإثنية واللغوية والعرقية والدينية. وفرقت المملكة المتحدة في التعامل مع الجنوب والشمال في قضايا أهمها التعليم. فبدأت تظهر الاختلافات الثقافية وساد اعتقاد لدى الأوساط المسيحية في الجنوب أن الشماليين هم تجار رقيق. وبعد جلاء القوات بريطانيا وانفصال السودان عن مصر طالب الجنوبيون أن يكون لهم نظام خاص لهم داخل الدولة السودانية الموحدة. وهو الأخذ بنظام الفدرالية، ولكن الحكومة رفضت الاقتراح معللة إنه يؤدي إلى انفصال الجنوب كتطور طبيعي. في أغسطس 1955 تمرد بعض أعضاء الفرقة الجنوبية من الجيش السوداني بإيعاز من المملكة المتحدة ضد الشمال.
ما قبل استقلال جنوب السودان
صوَت السودانيون شماليون، وجنوبيون في 31 ديسمبر (كانون الأول) 1955، من داخل البرلمان لصالح استقلال السودان. وكان تصويت الجنوبيين مدفوعاً بوعد شمالي لهم بالحصول على الحكم الذاتي. حاول الجنوبيون ملء الفراغ السياسي بعد تشكيل لجنة الدستور عام 1956، وانسحابهم منها لضعف تمثيلهم. فأنشأوا الحزب الفيدرالي الجنوبي عام 1958 الذي كان من أهم أهدافه تحقيق انفصال الجنوب. وقد كان ذاك هو العام نفسه الذي تسلّم فيه العسكر السلطة بقيادة الفريق ابراهيم عبود في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 1958.
إقرأ أيضا:25 يناير ذكرى ثورة المصريين التي لن تنمحي من الوجود ولو بعد ألف عامأصدر عبود قانون تنظيم الهيئات التبشيرية، وطرد كافة موظفيها من الجنوب عام 1963. وألغى عطلة الأحد الرسمية، واستبدلها بيوم الجمعة. كما انتهج سياسة الأسلمة والتعريب من منطلق أنّها ستكون حلّاً لمشكلة الجنوب. تنامى شعور الجنوبيين بالغبن، ونتيجة لهجراتهم الجماعية إلى دول الجوار الأفريقي. تكونت هناك أحزاب سياسية جنوبية كان من أبرزها الاتحاد السوداني الأفريقي لجنوب السودان (سانو). الذي أرسل مذكرة إلى الأمم المتحدة، ومنظمة الوحدة الأفريقية عام 1963 مطالباً باستقلال جنوب السودان. وحق تقرير المصير، ومتابعة دولية لمعالجة قضية الجنوب. تواصلت المطالبة بين حربٍ وسلم إلى أن تحقق الانفصال.
ما حدث هو عملية لتقسيم السودان، والاستقلال، أو الانفصال، وهو نتاج لفكرة التقسيم القديمة منذ الأربعينيات عندما بُحث موضوع السودان في مؤتمر جوبا. وتم الوعد بالفيدرالية، لكن لم يوفَ بها عام 1956 عند استقلال السودان. وما حدث في 2011 هو نتيجة لتلاقي رغبة أطراف، وقوى دولية، ولوبيات، بخاصة اليمين المسيحي في الولايات المتحدة. الذي كان يرى الصراع في جنوب السودان باعتباره صراعاً دينياً بين شمال مسلم عربي، وجنوب مسيحي أفريقي. وكذلك تلاقت إرادة حكومة الإنقاذ السابقة (حزب المؤتمر الوطني الحاكم)، والحركة الشعبية لتحرير السودان عبر توقيع اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا 2005، وكان لديهما مصلحة معينة في أن يتم التقسيم”.
اعلان استقلال جنوب السودان
السودان بعد 9 يوليو (تموز) 2011 ليس كما قبله، فالجنوب حُسم مصيره بانفصاله عن الشمال، وأضحت الدولة التي كانت بمساحة مليون ميل مربع دولتين. وبعدما تغيرت الخريطة الجغرافية والإثنية، واجهت الدولتان الخلافات القائمة فيما بينهما بالإضافة إلى الخلافات الداخلية لكلِّ دولة على حدة، لتنطفئ شعلة اتفاقية السلام التي دفع أبناء السودان، جنوباً وشمالاً، دماءهم في سبيل الوصول إلى ثمارها.
قال جيمس واني ايغا “نحن ممثلي الشعب المنتخبين ديموقراطيا وبناء على ارادة شعب جنوب السودان واستنادا الى نتيجة استفتاء تقرير المصير، نعلن جنوب السودان امة مستقلة ذات سيادة”.
وقرأ اعلان الاستقلال امام العشرات من رؤساء الدول والشخصيات الدولية البارزة ووسط ابتهاج الالاف من الجنوبيين الذين حضروا المراسم.
ومن ثم رفع العلم الوطني لجنوب السودان وسط تصفيق حاد ودموع واناشيد.
وهتفت الحشود “لن نستسلم ابدا! ابدا!”، وسط انطلاق صفارات ودموع الكثيرين.
وقال احد الرجال وقد بدت الدموع في عينيه “انا ابكي لان هذا العلم بات بين اعلام العالم”.
واضاف “لقد حرمنا من حقوقنا، واليوم لن يحدث ذلك بعد الان”.
وجاء اعلان الاستقلال مؤكدا على الطبيعة الديموقراطية والتعددية العرقية والدينية للدولة الجديدة. فضلا عن التزامها بعلاقات ودية مع كافة البلدان، “بما فيها جمهورية السودان”، بحسب اعلان رئيس البرلمان.
وقال ايغا ان جنوب السودان سيسعى “كأولوية استراتيجية” للانضمام الى الامم المتحدة، والاتحاد الافريقي، ومجموعة (ايغاد) لبلدان شرق افريقيا وغيرها من المنظمات والمحافل الدولية.
وبعد ذلك وقع الزعيم الجنوبي سالفا كير الدستور الانتقالي وادى يمين تولي الرئاسة كأول رئيس للدولة الجديدة، متعهدا ب”دعم التنمية ورفاهية شعب جنوب السودان”.
ويأتي اعلان الاستقلال بعد اكثر من خمسين عاما من الحرب -تخللتها فترة هدوء لبضعة اعوام- بين المتمردين الجنوبيين وحكومات الخرطوم المتعاقبة والتي جعلت الجنوب في حالة دمار وقتلت وشردت الملايين وادت الى فقدان الثقة بين الجانبين.